اخبار الرياضة

نهاية أولمبياد باريس يطرح السؤال.. متى يستفيق العرب؟

طوى أولمبياد باريس 2024 الذى استمر على مدار اسبوعين تقريبًا، آخر صفحاته الامس الأحد، ومع خاتمته انطلق وقت التقييم والمراجعات لما تحقق، ولما هبط تحت سقف التوقعات.

عربيًا كانـت الحصيلة سائرة نحو رقم كارثي، قبل ان تنتعش الحظوظ فى خواتيم الأولمبياد، اثناء انفجرت طاقات الرياضيين، ليبلغوا سقف 17 ميدالية، وهو ثاني افضل حصاد -مـن حيـث العدد- فى تاريخ العرب الأولمبي بعد النسخه الماضية بطوكيو (18 ميدالية)، أمّا بمقياس قيمة المعادن، فإنّ النسخه الباريسية المنقضية فهي تعدّ الأميز تاريخيًا، بعد ان جمعت 7 ميداليات ذهبية كاملة و4 فضية و6 برونزية متفوقة على حصاد أولمبياد 2020 (5 ذهبية و5 فضية و8 برونزية).

وبعيدًا عَنْ معيار المعادن ولغة الأرقام، فإنّ أولمبياد باريس حمل معه إقرارًا قديمًا جديدًا، يخص الرياضة العربية، التى كرّست تألق الألعاب الفردية على حساب نظيراتها الجماعية، هذه الاخيره التى عرفت وما تزال حالة مـن التصحّر منذ تاريخ أول مشاركة فى الألعاب الي يـوم الناس هذا.

أولمبياد باريس يحرج العرب مرة اخري

لم يحمل الحضور العربي الـ23 والعشرين فى النسخه الـ33 مـن العرس الأولمبي العريق الجديـد على مستوى خارطة المتوّجين وهوية مـن تعوّد على رفـع الراية بين جهابذة العالم، فالهيمنة كانـت – وكما جرت العادة – للألعاب الفردية، التى واصلت رفـع راية الأحقية رغم مجافاتها برياح التقصير والتهميش مـن لدن سُلط الإشراف فى كل دَوْلَةٌ عربية.

فراس القطوسي وأحمد الجندي وإيمان خليف وكيليا نمور وسفيان البقالي ووينفريد يافي وأحمد تاج الدين، أسماء قلّدت نفسها بالمعدن النفيس فى أولمبياد باريس ولكلّ منهم حكايته وقصة كفاحه، التى تفسّر جانبًا مـن نجاحه، غير أنهم يشتركون جميعًا فى نقطه واحده، تتلخّص فى الفوارق الشاسعة بين ما يلقونه مـن إحاطة ودعم، مقارنة بالميزانيات الهائلة التى تصرف على الرياضات الجماعية فى مقابل “صفر” إنجازات.

حصيلة جديدة فى أولمبياد باريس ارتفعت مـن إحراج العرب تجاه أبطالهم، الذين أخذوا على عاتقهم مجددًا مسألة تشريف رايات بلدانهم فى اثناءّ سبات شتوي للرياضات الجماعية، التى سجّلت حضورًا متواضعًا كالعادة، فلا وجود لممثل أساسًا فى كرة السلة، وفي الكرة الطائرة خرج منتخـب مصر بطل أفريقيا بحصيلة مخزية، لم يحصد فيها الفـوز ولو فى شوط يتيم، وتوقفت مسيرة “يد الفراعنه عند محطة ربع النهائى فى الأولمبياد رغم المردود المقبول، وكان الاستثناء الوحيد ولأول مرة، كرة القدم التى صدّرت منتخبين عربيين الي المربع الذهبي هما مصر والمغرب، حيـث تمكنت الاخيره مـن نيل ميداليتها البرونزية الأولى والوحيدة فى الألعاب الجماعية فى رصيد العرب.

الأفراد يسحقون الجماعة بالـ”K.O”

لا طالما كانـت المقارنة منعدمة بين الرياضات الفردية ونظيراتها الجماعية أولمبيًا، فأوجه الخلاف مأهولة، والفوز كان للأفراد بالضربة القاضية منذ ظهور العرب الاول فى هذا المحفل العالمي عَامٌ 1928 بأمستردام، وأول لكمة مقابلة كان ببصمة المغرب صاحبة برونزية كرة القدم فى باريس كَمَا ذكرنا لاحقًا.

اكتساح الرياضات الفردية تترجمه الأرقام التى لا تعرف الكذب، ففي 23 دورة أولمبية، حَقَّق العرب باحتساب أولمبياد باريس 147 ميدالية (40 ذهبية و37 فضية و70 برونزية)، منها واحده فقط فى كرة القدم.

وفي اثناء حالة مـن التصحّر ضربت الرياضات الجماعية على مدار هذا التَّارِيخُ الطويل، كوّنت رياضات أخرى وأهمها ألعاب القوى (49 ميدالية) تقاليدًا للعرب فى الأولمبياد، والذين توّجوا فى المجمل مـن اثناء 13 رياضة، وهي: ألعاب القوى ورفع الأثقال والمصارعة والسباحة والملاكمة والرماية والجودو والغطس والمبارزة بالسيف والفروسية والتايكوندو والجمباز والخماسي الحديث (بينتاثلون).

إستراتيجيات بالية وغياب إرادة السلطة

ما هو ملاحظ عند التمعن فى جـدول توزيع الميداليات، انّ هناك دولًا جديدة باستثناء العظمى، تدخل فى السباق، وأخرى باتت لها تقاليد فى حَصَد المعادن مع موعد كل دورة أولمبية، وليس ذلك حتمًا وليد الصدفة، فمسؤولو الرياضة فى هذه الدول (أوزباكستان نموذجًا بـ13 ميدالية منها 8 ذهبية)، يعملون “ليلًا نهارًا” لوضع إستراتيجيات مبنية على دراسات معمقة، لبلوغ حلم التتويج فى الأولمبياد، الذى يعدّ نتاج جهد جماعي يتلخّص فى صورة البطل المتوّج.

وضع الإستراتيجيات وحده غير كفيل بضمان التفوق أولمبيًا، وإنما لإرادة سلطة الإشراف العامل الحاسم فى جعل الأحلام قابلة للتحقق، مـن اثناء الدعـم المادي والمعنوي للرياضيين والذين يعتبران خطّين متوازيين هدفهما بلوغ منصه التتويج.

على عكس عَدَّدَ مـن البلدان التى تقدمت فى هذا السياق، يأبى العرب (باستثناء نموذج أو اثنين) إلا الاستكانة الي إستراتيجياتهم البالية المغلّفة باللامبالاة ومحدودية التقدير مـن سلط الإشراف، بارعين فى الكلام وتقديم الشعارات الكلاسيكية بعد الإخفاق فى كل محفل مـن قبيل (ضرورة وضع خطة واضحة.. والعمل على المدى الطويل.. ووجب الإحاطة والدعم و..و…و….)، ولئن كانـت شعارات صحيحة شكلًا ولكنها تفتقد للتطبيق مضمونًا.. فهذه الشعارات وجب قرنها بأخرى مـن قبيل “الهدرة فى الـRing” أو “الميدان يا حميدان”.. فلطالما كان الفعل أبلغ مـن الكلام.

درس صيني

شهد أولمبياد باريس وكغيره مـن النسخ السابقة للأولمبياد صراعًا محتدمًا بين العملاقين الصيني والولايات المتحدة الأمريكية، لم يحسمه للأخيرة سوى المعادن الاخرى البعيدة عَنْ الذهب، والذي تعادلت فيه الدولتان، لتعود الغلبة للأمريكان فى المجموع بـ126 ميدالية (40 ذهبية 44 فضية و42 برونزية) على حساب الصين التى حصدت 91 ميدالية (40 ذهبية أيضًا و27 فضية و24 برونزية).

ليس المراد فى هذا السياق، استعراض الالقاب الصينية فى أولمبياد باريس وإنما تسليط الضوء على الإستراتيجية الذكية لـ”التنّين”، والتي تتمثل فى استهداف ألعاب فردية بعينها تسمح باختصار الطريق نحو المجد الأولمبي، فرياضات على غرار تنس الطاولة أو الغطس، قد لا تحظى بشعبية عالمية جارفة، كَمَا هو حال كرة القدم مثلًا، ولكنها كفيلة بأن تضع الصين فى مُقَدَّمَةٌ المتوّجين.

ألعاب القوى أو الفروسية أو الملاكمة أو المصارعة أو السباحة وغيرها، هى رياضات لها تقاليد لدى العرب، وبرعوا فيها لاحقًا، وقادرة على حَصَد المعدن الأولمبي اىًا كان لونه، مقارنة بالرياضات الجماعية التى يعدّ التتويج فيها مـن أشباه المستحيلات.

البطل المغربى سفيان البقالي بعد فوزه بذهبية 3 آلاف متر موانع بأولمبياد باريس 2024

وعملًا بالنموذج الصيني، فإنّ الذكاء هنا يكمن فى رصد الاعتمادات لمستحقّيها، ولمن سيكون طريقه أقصر للبوديوم الأولمبي، بعيدًا عَنْ اللهث وراء السراب، ،خلف ميدالية أولمبية فى لعبة جماعية قد تأتي وقد لا تأتي، بل إنه لا مبرر لكل هذا الجهد والأموال الطائلة، والحال ان رياضىًا واحدًا فى لعبة فردية قد يحصد أكثر ممّا يحصده منتخـب بـأكمله، وهي حالة العداء المغربى سفيان البقالي صاحب ذهبية سباق 3 آلاف متر موانع ومنتخب بلاده الحاصل فقط على برونزية كرة القدم.

ويكمن الملخص فى انّ العبرة لا تكمن فى كثرة العدد وإنّما فى قيمة الفرد، وما هو قادر على إنتاجه، وإذا ما أرادت الدول العربية ان تتقدم مستقبلاً بين امم الأولمبياد، فالنموذج الصيني هو الأجدر بالاتباع، فهل يستجيب العرب؟

السابق
قرارات إدارية مفاجئة فى المريخ قبل مباراة دورى أبطال أفريقيا
التالي
بيلباو يوجه صدمة جديدة لبرشلونة فى صفقة نيكو ويليامز