حَقَّق السباح الصيني بان زانلي رقمًا قياسيًّا جديدًا فى سباق 100 متر حرة سباحة رجال، وذلك بعدما كسر الرقم العالمي الذى يحمله هو شخصيًّا بفارق أربعة أعشار مـن الثانية، ليتحول الرقم القياسي مـن 46,4 الي 46,8 ثانية، فى أولمبياد باريس 2024.
كان هذا هو الرقم القياسي العالمي الوحيد المسجل حتـى الان فى بطولات السباحة، سواء للرجال أو السيدات بأولمبياد باريس، وهي الظاهرة التى تساءل حولها كثيرون.
سباق القرن عزز مـن التساؤلات فى باريس 2024
أكثر ما دفع الجميع للتساؤل حول الامر هو ما عُرف بـ”سباق القرن”، الذى تنافست فيه السباحة الأسترالية أريارن تيتموس والأمريكية كاتي ليديكي والكندية سمر مكنتوش فى بطولات 400 متر حرة سيدات، وهو السباق الذى انتهى على فارق حوالى ثانيتين كاملتين عَنْ الرقم القياسي العالمي، رغم افتراض شدته بين ثلاثة سباحات لا يشق لهن غبار.
النظرية الأكثر انتشارًا فى الأوساط الرياضية فى الوقت الحالي، تتحدث عَنْ ان عمق حمام السباحة فى باريس أقل مما كان عليه الامر فى أولمبياد طوكيو 2020 وريو 2016، اللذين تم تَسْجِيلٌ 8 أرقام قياسية و6 أرقام قياسية عالمية فيهما على التوالي.
إذ يبلغ عمق حمام السباحة فى باريس 2,20 م، بينما جاء الي عمق سابقيه 3 أمتار، علمًا بأن المواصفات التى ينص عليها الاتحاد العالمي للسباحة هى 2,5 م، وذلك بعد تحديث الرقم مـن 2 م الي 2,5 م، لكن هذا التحديث كان بعد توقيع اتفاقية تنظيم الأولمبياد باريس 2024. وذلك وفق صحيفة “نيوزويك” الأمريكية.
خبيرة البيانات والإحصاءات بالمنتخب الأمريكي للسباحة كين أونو، أخبرت موقع ياهو ان “حمام السباحة فى باريس اسرع مـن الحمامات التى تراها فى فريق السباحة المجاور لك، لكنه ليس مثاليًّا لتحقيق الأرقام القياسية والسبب الرئيسي يرجع لعمق الحمام”.
ويشرح خبراء السباحة الامر فى ان حمام السباحة الأكثر ضحالة ينتج عنه أمواج معاكسة أقوى، فضربات السباحين تنتقل موجتها الي جانبي الحمام وإلى الأسفل، لتضرب عمق الحمام ثم ترتد مرة اخري صانعة اضطرابات فى سطح الماء، الامر الذى يؤثر فى أداء السباحين سواء فى تناسق ضرباتهم أو سحـب المياه للأسفل، ومع عمق أقل يزداد هذا الامر تأثيرًا فى السباحين، كَمَا هو الامر فى باريس 2024.
اما كيتي ليديكي فلم تشتكِ لوكالة أسوشييتد برس مـن الامر، عندما اعلنت: “كلنا سباحات سريعات. نحن نجعل الحمام سريعًا بالقدر الذى نريده، ولا أفكر كثيرًا فى الامر”.
بينما كان ما يهم السباحة الأمريكية كيتي جريمز –التى أحرزت فضية 400 متر متنوع- ان الامر يسري على الجميع، وذلك بعدما أخبرت أسوشييتد برس: “سواء كان حمام السباحة بطيئًا أم لا، فإن هذا الامر لن يؤثر فى لاعـب واحد، بل سيؤثر فى الجميع وهو ما يهم”.
نظرية حقيقية.. أم خرافة؟
صحيفة ذا غارديان فتحت تحقيقًا حول الامر، ونشرت حديث المدير التنفيذي للشركة الإيطالية التى قامت بإنشاء حمام السباحة فى باريس، وهو الذى نفى تأثير الامر لراديو مونتي كارلو.
الصحيفه الإنجليزية تحدثت عَنْ ان تأثير الفارق فى العمق يكاد يكون غير موجود، فالموجات تحت الماء هى بالأساس موجات صوتية تم إنتاجها بسـبب فارق الضغط فى الماء، وتسير بسرعة 1500 متر فى الثانية، ما يعني أنه بدلًا مـن استغراقها حوالى 4 ملّي ثانية للوصول للعمق والارتداد، فإنها ستصل فى حوالى 3 ملّي ثانية فى حمام السباحة الأقل عمقًا، وهو تأثير لا يُذكر.
لكن ما قد يؤثر نوعًا ما، هو ان هناك ما يعرف بالسرعة الحرجة أو بسرعة الهيكل hull velocity، وهو أمر معروف أكثر فى الإبحار، ويستخدمه ايضا السباحون فى المسافات المتوسطة والكبيرة، لضبط سرعة جسدهم مع وضعية الأمواج لتوفير المجهود والطاقة.
ولأن تلك السرعة ستتغير الي رقم أقل قليلًا مع حمام سباحة ذي عمق أقل، فإن السباحين بشكل غير واع سيقومون بتخفيض سرعتهم بقدرٍ قليل، ليناسب سرعة الهيكل هذه، والتي يشرح موقع علم السباحة swimming science كيف تعمل فى هذه الصُّورَةُ.
لكن الصحيفه العريقة اختتمت تقريرها بأن كل هذه النظريات قد تكون ذات تأثيرات ضعيفة جدًّا ولا تُذكر، وأنه لربما جاء الإنسان الي ذروة أدائه مع التكنولوجيا الحالية، وأنه قد نمر بفترة ركود الي اثناء التوصل الي أساليب وتقنيات افضل وأقوى.
كيفما حدث مثلًا مع الرداء المعروف للسباحة فى أولمبياد بكين 2008، والذي صنع 25 رقمًا قياسيًّا عالميًّا جديدًا، ثم 43 رقمًا قياسيًّا عالميًّا فى بطوله العالم التالية، قبل ان يقرر الاتحاد الدولى للسباحة إيقاف استخدامه مـن اجل المحافظة على نزاهة المسابقات، والتركيز على السرعة البشرية أكثر مـن اى معدات مستخدمة.
ونزيد مـن جانبنا مـن الشعر بيتًا حول نظرية الحمام الضحل، وهو ان نفس ذلك الحمام تم تحطيم عدة أرقام قياسية أولمبية فيه فى الدورة الحالية، ما يعني ان حمام الـ2,2 مترًا لم يمنع السباحين مـن تحطيم أرقام تخص حمامات الثلاثة أمتار فى الدورات السابقة، حتـى ولو يتم تحطيم الرقم القياسي العالمي الذى مـن الممكن تحطيمه فى اى بطوله أخرى وليس حصرًا فى الدورات الأولمبية، لكن ربما كان هناك مـن هم قادرون على مقاومة اى ظروف معاكسة فى باريس 2024، إن كانـت موجودة.