ما خلطة عموتة السحرية التى غيرت مسيرة منتخـب النشامى؟

خطف المغربى الحسين عموتة مدير فني منتخـب النشامى الأنظار، بعد فصول التألق والإبداع التى كتبها فى سجلات تاريخ كرة القدم الأردنية.

وأصبح عموتة اشهر مـن نار على علم على مستوى مدربي قارة آسيا وبفترة زمنية قياسية، بفضل حنكته التدريبية ورؤيته الفنية، ليصبح بمثابة البطل الخارق لعشاق النشامى.

تمهيد.. بداية وقلق 

شكل قرار الاتحاد الأردني لكرة القدم مفاجأة كبيرة لجماهير منتخـب النشامى، عندما صرح فى مؤتمر صحفي عـقد يـوم 6 يوليو/ تموز مـن العام الماضي، تعاقده رَسْمِيًٌّّا مع المغربى الحسين عموتة كمدير فني لمنتخب النشامى، خلفًا للعراقي عدنان حمد.

وجاء هذا الإعلام مفاجئًا، على اعتبار ان المؤشرات كانـت تشير الي ان الاتحاد الأردني سيجدد عـقد حمد، بعد ان صحح الطريق وأعاد التوازن لمنتخب النشامى، بعد تراجع واضح شهده بقيادة البلجيكي فيتال.

ورغم ان القرار كان مفاجئًا لجميع أوساط اللعبة فى الأردن، إلا ان الجميع رحب به، وبخاصة ان منتخـب المغرب كان قبلها بعام يبدع فى مونديال 2022، وربما وجد أصحاب القرار ان الوقت مناسب للاستفادة مـن الكفاءات المغربية.

فى الموتمر الصحفى، وضح اتحاد كرة القدم ان الغاية مـن ذلك هو السعي لتحقيق الهدف الذى طالما داعب الجماهير بالوصول الي كاس العالم، ولا سيما بعد ان قرر فيفا رفـع المقاعد الخاصة لمنتخبات آسيا الي 8.5 مقعد.

كيف نجح عموتة مع منتخـب الأردن؟

البداية لم تكن موفقة مع عموتة، فبعد استقرار نتائـج النشامى تحت قيادة حمد، عاد التخبط مرة اخري وتعرض المنتخـب لانتكاسات.

وخسر النشامى مع المدرب المغربى ست لقاءات، بين ودية ورسمية، قبل المشاركة فى كاس آسيا، كان أبرزها الخسارة امام السعوديه فى التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم بنتيجة 0-2، والتعادل مع مضيفه الطاجيكي 1-1.

وخسر النشامى ايضا وديًّا فى أكثر مـن مرة، وكان أبرزها امام النرويج واليابان وبسداسية، والفوز الوحيد الذى تحقق كان على قطر وديًّا بنتيجة 2-1.

التشاؤم يتحول الي تفاؤل 

دخل النشامى أجواء المشاركة بكأس آسيا وحالة مـن التشاؤم كانـت تسود الجماهير، فثمة مـن توقع ان الخروج سيكون مـن دور المجموعات.

ويبدو ان عموتة كان طيلة الفتره التى سبقت كاس آسيا لا ينظر للنتائج، بقدر ما كان يرصد قدرات اللاعبـين ويفكر كيف يوظفهم، ليرد على كل منتقديه فى المواجهات الرسمية.

وفي كاس آسيا، قدم النشامى مستوى متميزًا فى لقاء الافتتاح، فهزم ماليزيا برباعية نظيفة، وبعدها تعـادل مع كوريا الجنوبية 2-2، ثم خسر امام البحرين بهدف، ليتأهل كأفضل ثالث.

وبدأت ثقة الجماهير تزداد بمنتخب النشامى، وكان عموتة بذكائه يتجنب لقاءات قوية فى دور الـ16، وبالفعل ضرب موعدًا مع العراق، وفي هذه المباراه تقـدم منتخـب النشامى ثم تأخر 1-2، وفي الدقائق الاخيره كانـت الريمونتادا التاريخية، حيـث الفـوز فى النهايه 3-2.

وواصل النشامى مسيرته بعد التأهل لدور الثمانية، وهو الإنجاز الأكبر لكرة القدم الأردنية، حيـث سبق ان جاء لهذا الدور بعهد المرحوم محمود الجوهري 2004، والعراقي عدنان حمد 2011.

كانـت المواجهة صعبة امام طاجيكستان، الذى تعـادل معه النشامى بصعوبة قبل ذلك فى تصفيات المونديال 1-1، لكن عموتة بحنكته وصبره ويقينه، استطاع مـن قيادة الأردن لتحقيق الفـوز والتأهل لأول مرة بالتاريخ لدور الأربعة.

وفي هذه المباريات كان واضحًا ان عموتة قد وضع أسلوبا تكتيكيًّا حصريًّا وغير مسبوق لمنتخب النشامى، حيـث وظف قدرات اللاعبـين الهجومية على أكمل وجه، واستثمر ما يتمتعون به مـن سرعة وانسجام، وتحديدًا موسى التعمري ويزن النعيمات وعلي علوان ومحمود مرضي، فتولى هولاء الأربعة قيادة المنظومة الهجومية مـن اثناء استثمار المساحات والفرص المتاحة.

وفي دور الأربعة، كانـت التوقعات أيضًا تشير الي ان الأردن فى طريقه لتوديع البطولة، حيـث سيواجه كوريا الجنوبية مجددًا، لكن النشامى قدموا افضل عرض لهم بالتاريخ، وسحقوا منافسهم بهدفين نظيفين، بعد ان أحكموا سيطرتهم الكبيرة على المباراه.

الأردن فى نهائى كاس آسيا، كان هذا عنوانًا أشبه بالحلم، هناك مـن صدق الخبر وهناك مـن احتاج لمن يقسم له حتـى يصدق، فلا أحد كان يترقب ان يصل النشامى للنهائي بعد مسيرة إعداد متعثرة.

وأنهى النشامى مشوارهم فى البطولة متوجين وصيفًا لكأس آسيا، بعد الخسارة امام قطر 1-3، لكن الأردنيين احتفلوا لأيام عديدة بهذا الإنجاز غير المسبوق.

وفي هذه البطولة، بدا واضحًا ان مدير فني السد والوداد السابق عرف كيف يتقرب مـن اللاعبـين، ويستخرج افضل طاقاتهم وتهيئتهم ذهنيًّا، بل كان كثيرًا ما يردد على أسماعهم وخلال المؤتمرات الصحفية أنه يثق بقدرات لاعبيه كثيرًا.

قبل التصفيات المزدوجة

بعد نهاية المشاركة التاريخية فى كاس آسيا، كانـت المواقع المغربية تسرب ان عموتة سيرحل عَنْ النشامى لظروف عائلية، ومع الوقت اعترف المدرب نفسه بذلك.

ومع بدء العد التنازلي لاستئناف التصفيات، كان عموتة يتجنّب الحديث بخصوص موضوع رحيله عَنْ النشامى والظرف العائلي، فهو كان يركز بإنجاز الهامة حتـى يواصل نتائجه الباهرة ويرفع مـن أسهمه التدريبية.

وبدهاء لا يعلوه دهاء، كان المدرب المخضرم يمضي بمنتخب النشامى نحو بر الإبداع والتألق، حيـث قاده لتحقيق 4 انتصارات متتالية على باكستان، ذهابًا وإيابًا 3-0 و7-0، وطاجيكستان 3-0، والسعودية 2-1، ليقفز الأردن بهذه النتائج مـن المركـز الثالث الي بطل المجموعة.

الدهاء والحنكة والصبر، سمات تميز بها عموتة عَنْ غيره ممن دربوا النشامى عبر التَّارِيخُ، فهو عمل على إصلاح الخلل، وتعزيز مكامن القوة.

سر الخلطة السحرية 

الخسائر التى مني بها النشامى قبل المشاركة فى كاس آسيا كانـت مفيدة جدًا للمدرب، وعليها كان يبني كل احتياجاته وأفكاره، حيـث اكتشف عموتة ان قوة النشامى متناقضة، فهو ضعيف للغاية دفاعيًّا، وقوي للغاية هجوميًّا، فماذا يفعل؟

ثابر المدرب المغربى واجتهد، فكر وتمحص لإيجاد الحل الأنسب الذى يساعده على الارتقاء بأداء ونتائج النشامى.

وكل ما فعله عموتة فى حقيقة الامر أنه قام بتأمين دفاعه بشكل محكم فى كاس آسيا، حيـث لعب بـخمسة مدافعين، مع مساندة فاعلة مـن لاعبى الارتكاز نزار الرشدان ونور الروابدة.

بعد ان قام المدرب المغربى بتأمين دفاعه عبر الزيادة العددية، ومنع الخصم مـن يسر التوغل والتحرك، سلم نصف ستاد الخصم كاملًا لثلاثي الرعب موسى التعمري ويزن النعيمات وعلي علوان، مع مساندة على فترات مـن محمود مرضي، وطلب منهم ان ينثروا كل ما تملك مواهبهم مـن مهارة وسرعة وتحرك ناضج، مع الانتباه على ضرورة استغلال المساحات واستثمار الفرص، وتم التدرب على طريقة وطريقة اللعب كثيرًا.

هذا الأسلوب كان بمثابة سر الخلطة السحرية التى اعتمدها مدير فني الأردن، ونجحت معه فى تحقيق ما لم يتحقق جاء الى.